الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***
كتاب الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل الجزء الثاني
يستحب الإكثار من ذكر الموت والاستعداد له فإذا مرض استحب عيادته لما روى البراء قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع الجنازة وعيادة المريض متفق عليه إذا دخل عليه سأله عن حاله ورقاه ببعض رقى النبي صلى الله عليه وسلم ويحثه على التوبة ويرغبه في الوصية ويذكر له ما روى ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [ما حق امرىء مسلم يبيت ليلتين وله شيء يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عنده] متفق عليه.
ويستحب أن يلي المريض أرفق أهله به وأعلمهم بسياسته وأتقاهم لربه وإذا رآه منزولا به تعاهد بل حلقه فيقطر فيه ماء أو شرابا ويندي شفتيه بقطنة ويلقنه قول: لا إله إلا الله مرة لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [لقنوا موتاكم لا إله إلا الله] رواه مسلم ويكون ذلك في لطف ومداراة ولا يكرر عليه فيضجره إلا أن يتكلم بشيء فيعيد تلقينه لتكون آخر كلامه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة] رواه أبو داود ويقرأ عنده سورة يس ليخفف عنه لما روى معقل بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [اقرءوا يس على موتاكم] رواه أبو داود ويوجهه إلى القبلة كتوجيهه إلى الصلاة لأن حذيفة رضي الله عنه قال: وجهوني ولأن خير المجالس ما استقبل القبلة.
فإذا مات أغمض عينيه لما روى شداد بن أوس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا حضرتم موتاكم فأغمضوا البصر فإن البصر يتبع الروح] من المسند ولأنه إذا لم يغمض عيناه بقيتا مفتوحتين فيقبح منظره ويشد لحيته بعصابة عريضة يجمع لحييه ثم يشدها على رأسه لئلا ينفتح فوه فيقبح منظره ويدخل فيه ماء الغسل ويقول الذي يغمضه: بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويلين مفاصله لأنه أسهل في الغسل ولئلا تبقى جافة فلا يمكن تكفينه ويخلع ثيابه لئلا يحمي جسمه فيسرع إليه التغير والفساد ويجعل على سرير أو لوح حتى لا تصيبه ندوة الأرض فتغيره ويترك على بطنه حديدة لئلا ينتفخ بطنه وإن لم يكن فطين مبلول ويسجى بثوب لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجى ببردة حبرة متفق عليه ويسارع في تجهيزه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إني لأرى طلحة قد حدث فيه الموت فآذنوني به وعجلوا فإنه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله] رواه أبو داود وإن شك في موته انتظر به حتى يتيقن موته بانخساف صدغيه وميل أنفه وانفصال كفيه واسترخاء رجليه ولا بأس بالانتظار بها قدر ما يجتمع لها جماعة ما لم يخف عليه أو يشق على الناس ويسارع في قضاء دينه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه] وهذا حديث حسن فإن تعذر تعجيله استحب أن يتكفل به عنه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة فسأل: [هل عليه دين؟] قالوا: نعم ديناران فلم يصل عليه فقال أبو قتادة: هما علي يا رسول الله فصلى عليه رواه النسائي وتستحب المسارعة في تفريق وصيته ليتعجل ثوابها بجريانها على الموصى له.
وهو فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذي وقصته ناقة: [اغسلوه بماء وسدر] متفق عليه وأولى الناس بغسله من أوصي إليه بذلك لأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أوصى أن تغسله امرأته أسماء بنت عميس فقدمت بذلك وأوصى أنس أن يغسله محمد بن سيرين ففعل ولأنه حق للميت فقد وصيه فيه على غيره كتفريق ثلثه فإن لم يكن وصي فأولاهم بغسل الرجل أبوه ثم جده ثم ابنه وإن نزل ثم الأقرب فالأقرب من عصابته ثم الرجال من ذوي الأرحام ثم الأجانب لأنهم أولى الناس بالصلاة عليه وأولاهم بغسل المرأة أمها ثم جدتها ثم ابنتها ثم الأقرب فالأقرب ثم الأجنبيات. ويجوز للمرأة غسل زوجها بلا خلاف لحديث أبي بكر ولقول عائشة: لو استقبلنا ما أمرنا ما استدبرنا ما غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نساؤه رواه أبو داود وفي غسل الرجل امرأته روايتان: أشهرهما: يباح لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: [لو مت قبلي لغسلتك وكفنتك] رواه ابن ماجه وغسل علي فاطمة رضي الله عنهما فلم ينكره منكر فكان إجماعا ولأنها أحد الزوجين فأبيح للآخر غسله كالزوج. والأخرى: لا يباح لأنهما فرقة أباحت أختها وأربعا سواها فحرمت اللمس والنظر كالطلاق وأم الولد كالزوجة في هذا لأنها محل استمتاعه فإن طلق الرجل زوجته فماتت في العدة وكان الطلاق بائنا فهي كالأجنبية محرمة عليه وإن كانت رجعية وقلنا: إن الرجعية مباحة له فله غسلها وإلا فلا.
ولا يصح غسل الكافر لمسلم لأن الغسل عبادة محضة فلا تصح من كافر كالصلاة ولا يجوز للمسلم أن يغسل كافرا وإن كان قريبه ولا يتولى دفنه إلا أن يخاف ضياعه فيواريه قال أبو حفص العكبري: يجوز ذلك وحكاه قولا لأحمد رضي الله عنه لما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن عمك الشيخ الضال قد مات قال: [اذهب فواره] رواه أبو داود والنسائي ولنا أنه لا يصلي عليه فلم يكن له غسله كالأجنبي والخبر يدل على مواراته وله ذلك: لأنه يتغير بتركه ويتضرر ببقائه قال أحمد رضي الله عنه- في مسلم مات والده النصراني-: فليركب دابته وليسر أمام الجنازة وإذا أراد أن يدفن رجع مثل قول عمر رضي الله عنه. ولا يجوز لرجل غسل امرأة غير من ذكرنا ولا لامرأة غسل رجل سوى زوجها وسيدها لأن أحدهما محرم على صاحبه في الحياة فلم يجز له غسله كحال الحياة فإن مات رجل بين نساء أو امرأة بين رجال أو أنثى مشكل فإنه ييمم في أصح الروايتين لما روى واثلة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا ماتت المرأة مع الرجال ليس بينها وبينهم محرم تيمم كما ييمم الرجل] أخرجه تمام في فوائده. وعنه: في الرجل تموت أخته فلم يجد نساء يغسلها وعليها ثياب ويصب عليها الماء صبا والأول أولى لأن الغسل من غير مس لا يحصل به التنظيف ولا إزالة النجاسة بل ربما كثرت فكان التيمم أولى كما لو وجد ماء لا يطهر النجاسة ويجوز للمرأة غسل صبي لم يبلغ سبع سنين نص عليه لأن عورته ليست عورة وتوقف عن غسل الرجل الجارية قال الخلال: القياس النسوية بين الغلام والجارية لولا أن التابعين فرقوا بينهما وسوى أبو الخطاب بينهما في الجواز جريا على موجب القياس.
وينبغي أن يكون الغاسل أمينا لما روي عن ابن عمر أنه قال: لا يغسل موتاكم إلا المأمونون ولأن غير الأمين لا يؤمن أن لا يستوفي الغسل ويذيع ما يرى من قبيح وعليه ستر ما يرى من قبيح لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من غسل ميتا ثم لم يفش عليه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه] رواه ابن ماجه بمعناه وإن رأى أمارات الخير استحب إظهارها ليترحم عليه ويرغب في مثل طريقته وإن كان مغموصا عليه في السنة والدين مشهورا بذلك فلا بأس بإظهار الشر عنه لتحذر طريقته ويستحب ستر الميت عن العيون ولا يحضره إلا من يعين في أمره لأنه ربما كان فيه عيب يستره في حياته وربما بدت عورته فشاهدها.
ويجرد الميت عند تغسيله ويستر ما بين سرته وركبتيه وروى ذلك الأثرم عنه واختاره الخرقي وأبو الخطاب لأن ذلك أمكن في تغسيله وأبلغ في تطهيره وأشبه بغسل الحي وأصون له عن أن يتنجس بالثوب إذا خلع عنه ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يفعلون ذلك بدليل أنهم قالوا: لا ندري أنجرد النبي صلى الله عليه وسلم كما نجرد موتانا؟ رواه أبو داود والظاهر أن النبي أمرهم به وأقرهم عليه. وروى المروذي وعنه: أنه الأفضل غسله في قميص رقيق ينزل الماء فيه ويدخل الغاسل يده في كم القميص فيمرها على بدنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم غسل في قميصه ولأنه أستر للميت ويستحب أن يوضع على سرير غسله متوجها منحدرا نحو رجليه لينصب ماء الغسل منه ولا يستنقع تحته فيفسده ويستحب أن يتخذ الغاسل ثلاثة آنية إناء كبير فيه ماء بعيدا عن الميت وإناء وسطا وإناء يغترف به من الوسط ويصب على الميت فإن فسد الماء الذي كان في الوسط كان الآخر سليما؟ ويكون بقربه مجمر فيه بخور لتخفى رائحة ما يخرج منه.
النية لأنها طهارة تعبدية أشبهت غسل الجنابة وتعميم البدن بالغسل لأنه غسل فوجب فيه ذلك كغسل الجنابة وتطهيره من النجاسة وفي التسمية وجهان بناء على غسل الجنابة ويسن فيه ثمانية أشياء: أحدها: أن يبدأ فيحني الميت حنيا لا يبلغ به الجلوس ويمر يده على بطنه فيعصره عصرا دقيقا ليخرج ما في جوفه من فضلة لئلا يخرج بعد الغسل أو بعد التكفين فيفسده ويصب عليه الماء وقت العصر صبا كثيرا ليذهب بما يخرج فلا تظهر رائحته. والثاني: أن يلف على يده خرقة فينجيه بها ولا يحل له مس عورته لأن رؤيتها محرمة فلمسها أولى ويستحب أن لا يمس سائر بدنه إلا بخرقة وينبغي أن يتخذ الغاسل خرقتين خشنتين ينجيه بإحداهما ثم يلقيها ويلف الأخرى على يده فيمسح بها سائر البدن لما روي أن عليا رضي الله عنه غسل النبي صلى الله عليه وسلم وبيده خرقة يمسح بها ما تحت القميص. الثالث: أن يبدأ بعد إنجائه فيوضئه لما روت أم عطية أنها قالت: لما غسلنا ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها] متفق عليه ولأن الحي يتوضأ إذا أراد الغسل فكذلك الميت ولا يدخل فاه ولا أنفه ماء لأنه لا يمكنه إخراجه فربما دخل بطنه ثم خرج فأفسد وضوءه لكن يلف على يده خرقة مبلولة ويدخلها بين شفتيه فيمسح أسنانه وأنفه ويتبع ما تحت أظافره- إن لم يكن قلمها- بعود لين كالصفصاف فيزيله ويغسله كما يفعل الحي في وضوءه وغسله. الرابع: أن يغسله بسدر مع الماء لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [اغسلوه بماء وسدر] وقال للنساء اللاتي غسلن ابنته: [اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو سبعا إن رأيتن ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئا من كافور] متفق عليه وظاهر كلام أحمد أن السدر يجعل في جميع الغسلات لظاهر الخبر وذكره الخرقي. وقال القاضي وأبو الخطاب: يغسل الأولى بماء وسدر ثم يغسل الثانية بماء لا سدر فيه كي لا يسلب طهوريته ولا يجعل فيه سدر صحيح ولا فائدة ترك يسير لا يؤثر فإن أعوز السدر جعل مكانهما يقوم مقامه كالخطمي والصابون ونحوه مما ينقي. الخامس: أن يضرب السدر ثم يبدأ فيغسل برغوته رأسه ولحيته لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ بعد الوضوء بالصب على رأسه في الجنابة. السادس: أن يبدأ بشقه الأيمن لقوله عليه السلام: [ابدأن بميامنها] فيغسل يده اليمنى وصفحة عنقه وشق صدره وجنبه وفخذه وساقه وقدمه ثم يقلبه على جنبه الأيسر ويغسل شق ظهره الأيمن وما يليه ثم يقلبه على جنبه الأيمن ويغسل شقه الأيسر كذلك. السابع: أن يغسله وترا للخبر فيغسله ثلاثا فإن لم ينق بثلاث زاد إلى خمس أو إلى سبع لا يزيد عليها لأنه آخر ما انتهى إليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ويمر في كل مرة يده ولا يوضئه إلا في المرة الأولى إلا أن يخرج منه شيء فيعيد وضوءه لأنه بمنزلة الحدث من المغتسل في الجنابة ولو غسله ثلاثا ثم خرج منه شيء غسله إلى خمس فإن خرج بعد ذلك غسله إلى سبع فإن خرج بعد ذلك لم يعد إلى الغسل ويسد مخرج النجاسة بالقطن فإن لم يستمسك فبالطين الحر ويغسل موضع النجاسة ويوضأ لأن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل انتهى إلى سبع واختار أبو الخطاب أنه لا يعاد إلى الغسل لخروج الحدث لأن الجنب إذا أحدث بعد غسله لم يعده ويوضأ وضوءه للصلاة. الثامن: أن يجعل في الغسلة الأخيرة كافورا ليشده ويبرده ويطيبه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك ويستحب أن يضفر شعر المرأة ثلاثة قرون ويسدل من ورائها لما روت أم عطية قالت: ضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناه من خلفها تعني: ابنة النبي صلى الله عليه وسلم متفق عليه.
وكره أحمد رضي الله عنه تسريح الميت لأن عائشة رضي الله عنها قالت: علام تنصون ميتكم؟ يعني: لا تسرحوا رأسه بالمشط ولأنه يقطع شعره وينتفه والماء البارد في الغسل أفضل من الحار لأن البارد يشده والحار يرخيه إلا من حاجة إليه لوسخ يقلع به أو شدة برد يتأذى به الغاسل ولا يستعمل الأشنان إلا لحاجة إليه للاستعانة على إزالة الوسخ.
ويستحب تقليم أظافر الميت وقص شاربه لأن ذلك سنة في حياته ويترك ذلك معه في أكفانه لأنه من أجزائه وكل ما سقط من الميت جعل معه في أكفانه ليجمع بين أجزائه وفي أخذ عانته وجهان: أحدهما: يستحب إزالتها بنورة أو حلق لأن سعيد بن العاص جز عانة ميت ولأنه من الفطرة فأشبه تقليم الظافر. والثاني: لا يستحب لأن فيه لمس العورة وربما احتاج إلى نظرها وذلك محرم فلا يفعل لأجل مندوب.
والسقط إذا أتى عليه أربعة أشهر غسل وصلي عليه لما روى المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [والسقط يصلى عليه] رواه أبو داود ولأنه ميت مسلم أشبه المستهل ودليل أنه ميت: ما روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه فيكون نطفة أربعين يوما ثم علقة مثل ذلك ثم مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا فينفخ فيه الروح] متفق عليه ومن كان فيه روح ثم خرجت فهو ميت ويستحب تسميته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [سموا أسقاطكم فإنهم أسلافكم] فإن لم يعلم أذكر هو أم أنثى سمي اسما يصلح لهما كسعادة وسلامة ومن له دون أربع أشهر لا يغسل ولا يصلى عليه لعدم ما ذكرناه فيه.
والشهيد إذا مات في المعركة لم يغسل رواية واحدة وفي الصلاة عليه روايتان: إحداهما: يصلى عليه اختارها الخلال لما روى عقبة أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت ثم انصرف متفق عليه. والثانية: لا يصلى عليه وهي أصح لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصلى عليهم رواه البخاري وحديث عقبة مخصوص بشهداء أحد بدليل أنه صلى عليهم بعد ثمان سنين والخيرة في تكفين الشهداء إلى الوالي إن أحب زمله في ثيابه ونزع ما عليه من جلد أو سلاح لما روى ابن عباس أن رسول صلى الله عليه وسلم أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد وأن يدفنوا في ثيابهم بدمائهم رواه أبو داود وإن أحب نزع ثيابه وكفنه بغيرها لأن صفية أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ثوبين ليكفن حمزة فيهما فكفنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحدهما وكفن في الآخر رجلا آخر قال يعقوب بن شيبة: هو صالح الإسناد وإن حمل وبه رمق أو أكل أو طالت حياته غسل وصلي عليه لأن سعد بن معاذ غسله النبي صلى الله عليه وسلم فصلى عليه وكان شهيدا وإن قتل وهو جنب غسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم أحد: [ما بال حنظلة بن الراهب؟ إني رأيت الملائكة تغسله] قالوا: إنه سمع الهائعة فخرج ولم يغتسل رواه الطيالسي وإن سقط من دابته أو تردى من شاهق أو وجد ميتا لا أثر به غسل وصلي عليه لأنه ليس بقتيل الكفار والذي لا أثر به يحتمل أنه مات حتف أنفه فلا يسقط الغسل الواجب بالشك. ومن عاد عليه سلاح فقتله فهو كقتيل الكفار لأن عامر بن الأكوع عاد عليه سيفه فقتله فلم يفرد عن الشهداء بحكم. وقال القاضي: يغسل ويصلى عليه لأنه ليس بقتيل الكفار ومن قتل من أهل العدل في المعترك فحكمه حكم قتيل المشركين. وأما أهل البغي فقال الخرقي يغسلون ويصلى عليهم لأنهم ليس لهم حكم الشهداء. وأما المقتول ظلما كقتيل اللصوص والمقتول دون ماله ففيه روايتان: إحداهما: يغسل ويصلى عليه لأن ابن الزبير غسل وصلي عليه لأنه ليس بشهيد المعترك أشبه المبطون. والثانية لا يغسل لأنه قتيل شهيد أشبه شهيد المعترك.
ومن تعذر غسله لقلة الماء أو خيف تقطعه به كالمجزوم والمحترق يمم لأنها طهارة على البدن فيدخلها التيمم عند العجز عن استعمال الماء كالجنابة وإن تعذر غسل بعضه يمم لما لم يصبه الماء وإن أمكن صب الماء عليه وخيف من عركه صب عليه الماء صبا ولا يعرك. ومن مات في بئر ذات نفس أخرج فإن لم يمكن إلا بمثله وكانت البئر يحتاج إليها أخرج أيضا لأن رعاية حقوق الأحياء أولى من حفظه عن المثلة وإن لم يحتج إليها طمت عليه وكانت قبره.
ويستحب لمن غسل ميتا أن يغتسل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من غسل ميتا فليغتسل] رواه الطيالسي وأبو داود ولا يجب ذلك لأن الميت طاهر والخبر محمول على الاستحباب والصحيح فيه أنه موقوف على أبي هريرة وكذلك قال أحمد: فإذا فرغ من غسله نشفه بثوبه كي لا يبل أكفانه.
يجب كفن الميت في ماله مقدما على الدين والوصية والإرث لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الذي وقصته ناقته: [كفنوه في ثوبيه] متفق عليه ولأن كسوة المفلس الحي تقدم على دينه فكذلك كفنه فإن لم يكن له مال فعلى من تلزمه كسوته في حياته فإن لم يكن ففي بيت المال وليس على الرجل كفن زوجته لأنها صارت أجنبية لا يحل الاستمتاع منها فلم يجب عليه كسوتها.
وأقل ما يجزئ في الكفن ثوب يستر جميعه. وقال القاضي: لا يجزئ أقل من ثلاثة لأنه لو أجزأ واحد لم يجزئ أكثر منه لأنه يكون إسرافا ولا يصح لأن العورة المغلظة يسترها ثوب واحد فالميت أولى وما ذكره لا يلزمه فإنه يجوز التكفين بالحسن وإن أجزأ دونه ويستحب تحسين الكفن لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه] رواه مسلم ويكون جديدا أو غسيلا إلا أن يوصي الميت بتكفينه في خلق فتمتثل وصيته لأن أبا بكر رضي الله عنه قال: كفنوني في ثوبي هذين فإن الحي أحوج إلى الجديد من الميت والأفضل تكفينه في ثلاث لفائف بيض لقول عائشة رضي الله عنها: كفن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة متفق عليه ولأن حالة الإحرام أكمل أحوال الحي وهو لا يلبس المخيط فيها فكذلك حال موته. والمستحب أن يؤخذ أحسن اللفائف وأوسعها فيبسط على بساط ليكون الظاهر للناس أحسنها لأن هذه عادة الحي ثم تبسط الثانية فوقها ثم الثالثة فوقهما ويذر الحنوط والكافور فيما بينهن ثم يحمل الميت فيوضع عليهن مستلقيا ليكون أمكن لإدراجه فيها ويجعل ما عند رأسه أكثر مما عند رجليه ويجعل بقية الحنوط والكافور في قطن ويجعل من بين أليتيه برفق ويكثر ذلك ليرد شيئا إن خرج حين تحريكه ويشد فوقه خرفة مشقوقة الطرف كالتبان تأخذ أليتيه ومثانته ويجعل الباقي على منافذ وجهه ومواضع سجوده ويجعل الطيب والذريرة في مغابنه ومواضع سجوده تشريفا لهذه الأعضاء التي خصت بالسجود ويطيب رأسه ولحيته لأن الحي يتطيب هكذا وإن طيب جميع بدنه كان حسنا ولا يترك على أعلى اللفافة العليا ولا النعش شيء من الحنوط لأن الصديق رضي الله عنه قال: لا تجعلوا على أكفاني حنوطا ثم يثني طرف اللفافة العليا على شقه الأيمن ثم يرد طرفها الآخر على شقه الأيسر فوق الطرف الآخر ليمسكه إذا أقامه على شقه الأيمن ثم يفعل بالثانية والثالثة كذلك ثم يجمع ذلك جمع طرف العمامة فيرده على وجهه ورجليه إلا أن يخاف انتشارها فيعقدها وإذا وضع في القبر حلها ولا يخرق الكفن لأن تخريقه يفسده ولا يجب الطيب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر به ولأنه لا يجب على الحي فكذلك على الميت ولا يزاد الكفن على ثلاثة أثواب لأنه إسراف لم يرد الشرع به.
وإن كفن في قميص ومئزر ولفافة جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألبس عبد الله بن أبي قميصه كفنه فيه متفق على معناه ويجعل المئزر مما يلي جلده ولا يزر عليه القميص فإن تشاح الورثة في الكفن جعل ثلاث لفائف على حسب ما كان يلبس في حياته وإن قال أحدهم: يكفن من ماله وقال الآخر: من مال السبيل كفن من ماله لئلا يتعير بذلك ويستحب تجمير الكفن ثلاثا لأن جابرا روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا جمرتم الميت فجمروه ثلاثا].
وتكفن المرأة في خمسة أثواب مئزر تؤزر به وقميص تلبسه بعده ثم تخمر بمقنعة ثم تلف بلفافتين لما روى أبو داود عن ليلى بنت قانف الثقفية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند وفاتها فكان أول ما أعطانا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحقي ثم الدرع ثم الخمار ثم الملحفة ثم أدرجت بعد ذلك في الثوب الآخر ولأن المرأة تزيد في حياتها على الرجل في الستر لزيادة عورتها على عورته فكذلك في موتها وتلبس المخيط في إحرامها فتلبسه في مماتها.
فإن لم يجد إلا ثوبا لا يستر جميعه غطي رأسه وترك على رجليه حشيش لما روى خباب أن مصعب ابن عمير قتل يوم أحد ولم يكن له إلا نمرة إذا غطي رأسه بدت رجلاه وإذا غطي رجلاه بدا رأسه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر] متفق عليه فإن كان أضيق من ذلك ستر به عورته وغطي سائره بحشيش أو ورق فإن كثر الموتى وقلت الأكفان كفن الاثنان والثلاثة في الكفن الواحد لما روى أنس قال: كثرت القتلى وقلت الأكفان يوم أحد فكفن الرجل والرجلان والثلاثة في الثوب الواحد ثم يدفنوا في قبر واحد وهو حديث حسن.
فإن خرج منه شيء يسير وهو في أكفانه لم يعد إلى الغسل وحمل لأن في إعادته مشقة ولا يؤمن مثله ثانيا وثالثا وإن ظهر منه كثير فالظاهر عنه أنه يحمل أيضا لمشقة إعادته. وعنه: أنه يعاد غسله ويطهر كفنه لأنه يؤمن مثله في الثاني للتحفظ بالتلجم والشد.
وإذا مات المحرم لم يقرب طيبا ولا يخمر رأسه لأن حكم إحرامه باق فيجنب ما يتجنبه المحرمون لما روى ابن عباس قال: بينما رجل واقف بعرفة إذ وقع عن راحلته فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تحنطوه ولا تخمروا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا] متفق عليه. وعنه: لا يغطى رأسه ولا رجلاه والظاهر عنه جواز تغطيتهما لأنه لم يذكرهما في حديث ابن عباس ولأن الحي لا يمنع من تغطيتهما فالميت أولى ولا يلبس قميصا إن كان رجلا لأنه ممنوع من لبس المخيط وإن كان امرأة جاز ذلك لأنها لا تمنع من لبس المخيط وجاز تخمير رأسها لأنها لا تمنع ذلك في حياتها وإن ماتت معتدة بطل حكم عدتها وفعل بها ما يفعل بغيرها لأن اجتناب الطيب في الحياة إنما كان لئلا يدعو إلى نكاحها وقد أمن ذلك بموتها.
وهي فرض على الكفاية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [صلوا على من قال لا إله إلا الله] ويكفي واحد لأنها صلاة ليس من شرطها الجماعة فلم يشترط لها العدد كالظهر ويجوز في المسجد لأن عائشة قالت: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في المسجد) رواه مسلم وصلي على أبي بكر وعمر في المسجد وتجوز في المقبرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر في المقبرة ويجوز فعلها فرادى لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه فرادى والسنة فعلها في جماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها بأصحابه ويستحب أن يصف ثلاثة صفوف لما روى مالك بن هبيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاث صفوف من المسلمين إلا أوجب] وهذا حديث حسن وإن اجتمع نساء فصلين عليه جماعة أو فرادى فلا بأس لأن عائشة رضي الله عنها صلت على سعد بن أبي وقاص.
وأولى الناس بالصلاة عليه من أوصى إليه بذلك لإجماع الصحابة على الوصية بها فإن أبا بكر أوصى أن يصلي عليه عمر وعمر أوصى أن يصلي عليه صهيب وابن مسعود أوصى بذلك الزبير وأبا بكرة أوصى به أبا برزة وأم سلمة أوصت به سعيد ابن زيد وعائشة أوصت إلى أبي هريرة وأوصى أبو سريحة إلى زيد بن أرقم فجاء عمرو بن حريث وهو أمير الكوفة ليتقدم فقال ابنه: أيها الأمير إن أبي أوصى أن يصلي عليه زيد بن أرقم فقدم زيدا ولأنها حق للميت فقدم وصيه بها كتفريق ثلثه ثم الأمير لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [لا يؤمن الرجل الرجل في سلطانه]. وقال أبو حازم: شهدت حسينا عليه السلام حين مات الحسن وهو يدفع في قفا سعد بن العاص ويقول: تقدم لولا السنة ما قدمتك وسعيد أمير المدينة لأنها إمامة في صلاة فأشبه سائر الصلوات ثم الأب وإن علا ثم الابن وإن سفل ثم أقرب العصبة ثم الرجال من ذوي أرحامه ثم الأجانب وفي تقديم الزوج على العصبة روايتان: أشهرهما: تقديم العصبة لأن عمر رضي الله عنه قال لقرابة امرأته: أنتم أحق بها ولأن النكاح يزول بالموت والقرابة باقية. والثانية: الزوج أحق بها لأن أبا بكرة صلى على امرأته دون إخوتها ولأنه أحق منهم بغسلها فإن استووا فأولاهم أولاهم بالإمامة في المكتوبات للخبر فيه والحر أولى من العبد القريب لعدم ولايته فإن استووا وتشاحوا أقرع بينهم.
ومن شرطها الطهارة والاستقبال والنية لأنها من الصلوات فأشبهت سائرهن والسنة أن يقوم الإمام حذاء رأس الرجل ووسط المرأة لما روي أن أنسا صلى على رجل فقام عند رأسه ثم صلى على امرأة فقام حيال وسط السرير فقال له العلاء بن زياد: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على المرأة مقامك منها ومن الرجل مقامك منه؟ قال: نعم وهذا حديث حسن. ويجوز أن يصلي على جماعة دفعة واحدة ويقدم إلى الإمام أفضلهم ويسوى بين رءوسهم فإن اجتمع رجال وصبيان وخناثى ونساء قدم الرجال وإن كانوا عبيدا ثم الصبيان ثم الخناثى ثم النساء لما روى عمار مولى الحارث بن نوفل قال: شهدت جنازة صبي وامرأة فقدم الصبي مما يلي القوم ووضعت المرأة وراءه فصلي عليهما وفي القوم أبو سعيد الخدري وابن عباس وأبو قتادة وأبو هريرة فسألتهم فقالوا: السنة رواه أبو داود ولأنهم هكذا يصفون في صلاتهم وقال الخرقي: يقدم النساء على الصبيان لحاجتهن للشفاعة ويسوى بين رءوسهم لأن ابن عمر كان يسوي بين رءوسهم وعن أحمد ما يدل أنه يجعل صدر الرجل حذاء وسط المرأة واختاره أبو الخطاب ليقف كل واحد منهما موقفه.
أحدها: القيام: لأنها صلاة مكتوبة فوجب القيام بها كالظهر. الثاني: أربع تكبيرات لأن النبي صلى الله عليه وسلم كبر على النجاشي أربعا متفق عليه. الثالث: أن يقرأ في التكبيرة الأولى بفاتحة الكتاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن] وصلى ابن عباس على جنازة فقرأ بأم القرآن وقال: إنه من السنة أو من تمام السنة حديث صحيح رواه البخاري ولأنها صلاة يجب فيها القيام فوجبت فيها القراءة كالظهر. والرابع: أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في الثانية لما روى أبو أمامة بن سهل عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ويقرأ في نفسه ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويخلص الدعاء للجنازة ولا يقرأ في شيء منهن ثم يسلم سرا في نفسه رواه الشافعي في مسنده وليس في الصلاة عليه شيء مؤقت وإن صلى كما يصلى عليه في التشهد فحسن. الخامس: أن يدعو للميت في الثالثة لذلك ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا صليتم على الميت فأخلصوا له الدعاء] رواه أبو داود ولأنه المقصود فلا يجوز الإخلال به وما دعا به أجزأه. السادس: التسليم لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [تحليلها التسليم].
أولها: رفع اليدين مع كل تكبيرة لأن عمر كان يرفع يديه في تكبير الجنازة والعيد لأنها تكبيرة لا يتصل طرفها بسجود ولا قعود فسن فيها الرفع كتكبيرة الإحرام. والثاني: الاستعاذة قبل القراءة لقول الله تعالى: {فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم}. الثالث: الإسرار بالقراءة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسر بها. الرابع: أن يدعو لنفسه ولوالديه وللمسلمين بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما روى أبو إبراهيم الأشهلي عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى على الجنازة قال: [اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا] حديث صحيح. وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه وزاد: [اللهم من أحييته منا فأحييه على الإسلام ومن توفيته فتوفه على الإيمان اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده] وفي آخر: [اللهم أنت ربها وأنت خلقتها وأنت هديتها للإسلام وأنت قبضتها وأنت أعلم بسرها وعلانيتها جئناك شفعاء فاغفر له] رواه أبو داود وعن عوف بن مالك قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت دعائه: [الله اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارا خيرا من داره وأهلا خيرا من أهله وزوجا خيرا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار] حتى تمنيت أن أكون أنا ذلك الميت رواه مسلم وإن كان طفلا جعل مكان الاستغفار له: [اللهم اجعله لوالديه ذخرا وفرطا وسلفا وأجرا اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين واجعله في كفالة إبراهيم وقه برحمتك عذاب الجحيم] وإن لم يعلم شرا من العبد قال: [اللهم لا نعلم إلا خيرا]. الخامس: أن يقف بعد الرابعة قليلا وهل يسن فيها ذكر على روايتين. السادس: أن يضع يمينه على شماله لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة فوضع يمينه على شماله. السابع: الالتفات على يمينه في التسليمة.
ولا يسن الاستفتاح لأن مبناها على التخفيف ولا قراءة شيء بعد الفاتحة لذلك. وعنه: يسن الاستفتاح ولا يسن تسليمه ثانية لأن عطاء بن السائب روى أن النبي صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة واحدة رواه الجوزجاني ولأنه إجماع قال أحمد: التسليم على الجنازة تسليمة واحدة عن ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وليس فيه اختلاف إلا عن إبراهيم ولا تسن الزيادة على أربع تكبيرات لأنها المشهورة عن النبي صلى الله عليه وسلم وجمع عمر الناس على أربع تكبيرات وقال: هو أطول الصلاة فإن كبر خمسا جاز وتبعه المأموم لأن زيد بن أرقم كبر على جنازة خمسا وقال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبرها رواه مسلم. وعنه لا يتابع فيها اختاره ابن عقيل لأنها زيادة غير مسنونة وإن كبر ستا أو سبعا ففيه روايتان: إحداهما: يجوز ويتابعه المأموم فيها لأنه يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كبر سبعا وكبر على أبو قتادة سبعا. والثانية: لا يجوز ولا يتبعه المأموم فيها لأن المشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه خلافها لمن لا يسلم قبله وينتظره حتى يسلم معه لأنها زيادة قول مختلف فيها لأنه لا يجز له مفارقة إمامه إذا اشتغل به كالقنوت في الصبح وإن زاد على سبع لم يتابعه ولم يسلم قبله قال أحمد: وينبغي أن يسبح به.
وإن كبر على جنازة فجيء بأخرى كبر الثانية عليهما ثم إن جيء بثالثة كبر الثالثة عليهن ثم إن جيء برابعة كبر الرابعة عليهن ثم يتمم سبع تكبيرات ليحصل للرابعة أربع تكبيرات فإن جيء بأخرى لم يكبر عليها لئلا يفضي إلى زيادة التكبير على سبع أو نقصان الخامسة من أربع وكلاهما غير جائز وإن أراد أهل الأولى رفعها قبل سلام الإمام لم يجز لأن السلام ركن لم يأت به ويقرأ في التكبيرة الرابعة الفاتحة وفي الخامسة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو لهم في السادسة لتكمل الأركان لجميع الجنائز.
ومن سبق ببعض الصلاة فأدرك الإمام بين تكبيرتين دخل معه كما يدخل في سائر الصلوات. وعنه: أنه ينتظر تكبير الإمام فيكبر معه لأن كل تكبيرة كركعة فلا يشتغل بقضائها فإذا سلم الإمام قضى ما فاته لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [وما فاتكم فاقضوا] قال الخرقي: يقضيه متتابعا فإن سلم ولم يقضه فلا بأس لأن ابن عمر رضي الله عنه قال: لا يقضي ولأنها تكبيرات متوالية حال القيام فلم يجب قضاء ما فات منها كتكبيرات العيد. وقال القاضي وأبو الخطاب: يقضيه على صفته إلا أن ترفع الجنازة فيقضيه متواليا لعدم من يدعى له فإن سلم ولم يقضه فحكى أبو الخطاب عنه رواية أنها لا تصح قياسا على سائر الصلوات.
وإذا صلي عليه بودر إلى دفنه ولم ينتظر حضور أحد إلا الوالي فإنه ينتظر ما لم يخش عليه التغيير فإن حضر من لم يصل عليه صلى عليه جماعة وفرادى قال أحمد رضي الله عنه: ولا بأس بذلك قد فعله عدة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن صلى مرة لم يستحب له إعادتها لأنها نافلة وصلاة الجنازة لا يتنفل بها ومن فاتته الصلاة عليه حتى دفن صلى على قبره لما روى ابن عباس أنه مر مع النبي صلى الله عليه وسلم على قبر منبوذ فأمهم وصلوا خلفه متفق عليه ولا يصلى على القبر بعد شهر إلا بقليل لأن أكثر ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى على أم سعد بن عبادة بعدما دفنت بشهر رواه الترمذي ولأنه لا يعلم بقاؤه أكثر من شهر فتقيد به.
وعنه: لا تجوز لأن حضوره شرط بدليل ما لو كانا في بلد واحد والأول المذهب لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي اليوم الذي مات فيه فصف بهم في المصلى وكبر بهم أربعا متفق عليه فإن كان الميت من أحد جانبي البلد لم يصل عليه في الجانب الآخر لأنه يمكن حضوره فأشبه ما لو كانا من جانب واحد وقال ابن حامد: يجوز قياسا على البعيد وتتوقت الصلاة على الغائب بشهر لأنه لا يعلم بقاؤه أكثر منه فأشبه من في القبر.
ويصلي على كل مسلم لما تقدم إلا شهيد المعترك وإن لم يوجد إلا بعض الميت غسل وصلي عليه. وعنه: لا يصلى عليه كما لا يصلى على يد الحي إذا قطعت والمذهب الأول لأن عمر رضي الله عنه صلى على عظام بالشام وصلى أبو عبيدة على رءوس ولا يصلي الإمام على الغال ولا قاتل نفسه لما روى جابر بن سمرة قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه رواه مسلم وعن زيد بن خالد قال: توفي رجل من جهينة يوم خيبر فذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: [صلوا على صاحبكم إن صاحبكم غل من الغنيمة] احتج به أحمد ويصلى على سائر الناس لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [صلوا على صاحبكم]. قال الخلال: الإمام ههنا أمير المؤمنين وحده وعن أحمد رضي الله عنه أن إمام كل قرية واليهم وأنكر هذا الخلال وخطأ ناقله.
ولا تجوز الصلاة على كافر لقول الله تعالى: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره} وقال الله تعالى: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى} ومن حكمنا بكفره من أهل البدع لم يصل عليه قال أحمد: لا أشهد الجهمي ولا الرافضي ويشهدهما من أحب.
وهما فرض على الكفاية لأن في تركهما هتكا لحرمتها وأذى للناس بها وأولى الناس بذلك أولاهم بغسله وأولى الناس إدخال المرأة قبرها محارمها الأقرب فالأقرب وفي تقديم الزوج عليهم وجهان بناء على ما مر في الصلاة فإن لم يكن فالمشايخ من أهل الدين. وعنه: النساء بعد المحارم اختاره الخرقي والأول أولى لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة فنزل على قبر ابنته دون النساء رواه البخاري ورأى النبي صلى الله عليه وسلم نساء في جنازة فقال: [أتدلين فيمن يدلي؟ قلن: لا قال: فارجعن مأزورات غير مأجورات] أخرجه ابن ماجه ولأن الدفن يحتاج إلى قوة وبطش ويحضره الرجال فتولي المرأة له تعريض لها للهتك. والتربيع في حمل الجنازة مسنون لما روي عن ابن مسعود أنه قال: إذا اتبع أحدكم جنازة فليأخذ بجوانب السرير الأربع ثم ليتطوع بعد أو ليذر فإنه من السنة رواه سعيد بن منصور وصفته أنه يبدأ فيضع قائمة السرير اليسرى على كتفه اليمنى من عند رأس الميت ثم من عند رجليه ثم يضع قائمة السرير اليمنى على كتفه اليسرى من كتفه اليمنى من عند رأسه ثم من عند رجليه. وعنه: أن يدور فيأخذ بعد ياسرة المؤخرة يامنة المؤخرة ثم المقدمة وإن حمل بين العمودين فحسن روي عن سعد بن مالك وأبي هريرة وابن عمر وابن الزبير أنهم حملوا بين عمودي السرير والسنة الإسراع في المشي بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [أسرعوا بالجنازة فإن تكن صالحة فخير تقدمونها إليه وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم] متفق عليه ولا يفرط بالإسراع فيمخضها ويؤذي متبعها.
واتباع الجنازة سنة وهو على ثلاثة أضرب: أحدها: أن يصلي وينصرف. والثاني: أن يتبعها إلى القبر ثم يقف حتى تدفن لما روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من شهد جنازة حتى يصلي عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل: وما القيراطان؟ قال: مثل الجبلين العظيمين] متفق عليه. الثالث: أن يقف بعد الدفن يستغفر له ويسأل الله له التثبيت كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دفن ميتا وقف وقال: [استغفروا له واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل] رواه أبو داود والمشي أمامها أفضل لما روى ابن عمر قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما يمشون أمام الجنازة رواه أبو داود ولأنهم شفعاء لها والشافع يتقدم المشفوع وحيث مشى قريبا منها فحسن وإن كان راكبا فالسنة أن يكون خلفها لما روى المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [الراكب خلف الجنازة والماشي حيث شاء منها] حديث صحيح ويكره الركوب لمشيعها إلا من حاجة لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ركب في جنازة ولا عيد ولا بأس بالركوب في الانصراف لما روى جابر بن سمرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اتبع جنازة ابن الدحداح ماشيا ورجع على فرس) حديث حسن رواه الترمذي ورواه مسلم.
وإذا سبقها فجلس لم يقم عند مجيئها وإن مرت به جنازة لم يستحب له القيام. وعنه: يستحب لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا رأى أحدكم الجنازة فليقم حين يراها حتى تخلفه] رواه مسلم والأول أولى لقول علي رضي الله عنه: قام رسو الله صلى الله عليه وسلم ثم قعد ورواه مسلم وهذا ناسخ للأول فأما من مع الجنازة فيكره أن يجلس حتى توضع عن الأعناق لما روى أبو سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من تبع جنازة فلا يجلس حتى توضع] رواه البخاري ومسلم وفي لفظ: [حتى توضع في الأرض] رواه أبو داود. ويكره اتباع النساء الجنائز لما روت أم عطية قالت: نهينا عن اتباع الجنائز متفق عليه ويكره أن تتبع بنار أو صوت لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لا تتبع الجنازة بصوت أو نار] رواه أبو داود.
ويجوز الدفن في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر دفنوا في بيت والدفن في الصحراء أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن أصحابه بالبقيع وإنما دفن في البيت كراهة أن يتخذ قبره مسجدا ولولا ذلك لأبرز قبره كذلك قالت عائشة رضي الله عنها متفق عليه ويدفن الشهيد في مصرعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بشهداء أحد أن يردوا إلى مصارعهم رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه والترمذي وقال: صحيح وكان بعضهم قد حمل إلى المدينة. وحمل الميت إلى غير بلده لغير حاجة مكروه لأنه أذى للأحياء والميت لغير فائدة. وإن تنازع وارثان في الدفن في مقبرة المسلمين أو البيت دفن في المقبرة لأن له في البيت حقا فلا يجوز إسقاطه ويستحب الدفن في المقبرة التي فيها الصالحون لينتفع بمجاورتهم وجمع الأقارب في الدفن حسن لتسهل زيارتهم والترحم عليهم وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك عند رأس عثمان بن مظعون صخرة وقال: [أعلم قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي] رواه أبو داود. وإن تشاح اثنان في مقبرة مسبلة قدم السابق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به] وإن استويا في السبق أقرع بينهما ولا يدفن ميت في موضع فيه ميت حتى يبلى الأول ويرجع فيه إلى أهل الخبرة بتلك الأرض.
ويستحب تعميق القبر وتوسيعه وتحسينه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [احفروا وأوسعوا وأعمقوا] رواه أبو داود قال أحمد يعمق إلى الصدر لأن الحسن وابن سيرين كانا يستحبان ذلك ولأن في تعميقه أكثر من ذلك مشقة وقال أبو الخطاب: يعمق قدر قامة وبسطة والسنة أن يلحد له لقول سعد بن مالك: الحدوا لي لحدا وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم. قال أحمد رضي الله عنه: ولا أحب الشق لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [اللحد لنا والشق لغيرنا] رواه أبو داود ومعنى الشق أنه إذا وصل إلى الأرض شق في وسطه شقا نازلا فإن كانت الأرض رخوة لا يثبت فيها اللحد شق فيها للحاجة.
ولا يدفن في القبر اثنان لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدفن كل ميت في قبره فإن دعت الحاجة إليه جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما كثر القتلى يوم أحد كان يجمع بين الرجلين في القبر الواحد ويسأل أيهم أكثر أخذا للقرآن؟ فيقدمه في اللحد حديث صحيح ويقدم أفضلهم إلى القبلة للخبر ويجعل بين كل اثنين حاجزا من تراب ليصير كل واحد منفردا كأنه في قبر منفرد وإن دفن رجل وصبي وامرأة في قبر واحد جعل الرجل في القبلة والصبي خلفه والمرأة خلفهما وقال الخرقي: تقدم المرأة على الصبي وقال أحمد: وإن حفروا شبه النهر رأس هذا عند رجل هذا جاز ويجعل بينهما حاجز لا يلصق أحدهما بصاحبه فإن مات له أقارب بدأ بمن يخاف تغيره فإن استووا بدأ بأقربهم إليه على ترتيب النفقات فإن استووا قدم أسنهم وأفضلهم.
ولا توقيت في عدد من يدخل القبر إنما هو بحسب الحاجة إليه نص عليه. ويسل الميت من قبل رأسه وهو أن يجعل رأسه عند رجلي القبر ثم يسل سلا لأن النبي صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه وإن كان الأسهل غير ذلك فعل الأسهل ويقول الذي يدخله بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول إذا أدخل الميت القبر من المسند ويضعه في اللحد على جانبه الأيمن مستقبل القبلة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا نام أحدكم فليتوسد يمينه] ويتوسد رأسه بلبنة أو نحوها كالحي إذا نام ويجعل خلفه تراب يسنده لئلا يستلقي على قفاه وإن وطأ تحته بقطيفة فلا بأس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك تحته قطيفة كان يفترشها وينصب عليه اللبن نصبا لحديث سعد وإن جعل عليه: طن قصب جاز لما روى عمر بن شرحبيل أنه قال: إني رأيت المهاجرين يستحبون ذلك. ويكره الدفن في التابوت وأن يدخل القبر آجرا أو خشبا أو شيئا مسته النار لأن إبراهيم قال: كانوا يستحبون اللبن ويكرهون الخشب والآجر ولأنه آلة بناء المترفين وسائر ما مسته النار يكره للتفاؤل بها.
ولا يخمر قبر الرجل لما روي عن علي رضي الله عنه أنه مر بقوم وقد دفنوا ميتا وبسطوا على قبره الثوب فجذبه وقال: إنما يصنع هذا بالنساء ويستحب ذلك للنساء للخبر ولئلا ينكشف منها شيء فيراه الحاضرون.
ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر لما روى الساجي أن النبي صلى الله عليه وسلم رفع قبره عن الأرض قدر شبر ولأنه يعلم أنه قبر فيتوقى ويترحم عليه ولا يزاد عليه من غير ترابه لقول عقبة بن عامر: لا تجعلوا على القبر من التراب أكثر مما خرج منه رواه أحمد ويستحب أن يرش عليه الماء ليتلبد وروى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل سعدا ورش على قبره الماء رواه ابن ماجه وتسنيمه أفضل من تسطيحه لما روى البخاري عن سفيان التمار: أنه رأى قبر النبي صلى الله عليه وسلم مسنما ولأن السطح يشبه أبنية أهل الدنيا ولا بأس بتعليمه بصخرة ونحوها لما ذكرنا من حديث عثمان بن مظعون ولأنه يعرف قبره فيكثر الترحم عليه.
ويكره البناء على القبر وتجصيصه والكتابة عليه لقول جابر نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه وأن يقعد عليه رواه مسلم زاد الترمذي: وأن يكتب عليها وقال: حديث صحيح ولأنه من زينة الدنيا فلا حاجة بالميت إليه ولا يجوز أن يبنى عليه مسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبياءهم مساجد] يحذر مثل ما صنعوا متفق عليه ويكره الجلوس عليه والاتكاء إليه والاستناد إليه لحديث جابر ويكره المشي عليه لما روى عقبة بن عامر قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [لأن أطأ على جمرة أو سيف أحب إلي أن أطأ على قبر مسلم ولا أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق] رواه ابن ماجه فإن لم يكن طريق إلى قبر من يزوره إلا بالوطء جاز لأنه موضع حاجة.
ولا يجوز الدفن في الساعات المذكورة في حديث عقبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن وأن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب رواه مسلم ويجوز الدفن في سائر الأوقات ليلا ونهارا لأن النبي صلى الله عليه وسلم دفن ليلا ودفن ذا البجادين ليلا والدفن في النهار أولى لأنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زجر عن الدفن ليلا رواه مسلم ولأن النهار أمكن وأسهل على مشيعيها وأكثر لمتبعيها.
وإذا ماتت ذمية حامل من مسلم لم تدفن في مقبرة المسلمين لكفرها ولا تدفن في مقبرة الكفار لأن ولدها مسلم وتدفن مفردة ظهرها إلى القبلة لأن وجه الجنين إلى ظهرها وإن ماتت امرأة حامل وولدها يتحرك ورجيت حياته سطت عليه القوابل فأخرجنه ولا يشق بطنها لأن فيه هتكا لحرمته متيقنة لإبقاء حياة موهومة بعيدة فإن لم يخرج تركت حتى يموت ثم تدفن ويحتمل أن يشق بطنها إن غلب على الظن أنه يحيا لأن حفظ حرمة الحي أولى وإن بلع الميت جوهرة لغيره شق بطنه وأخذت لأن فيه تخليصا له من مأثمها وردا لها إلى مالكها ويحتمل أن يغرم قيمتها من تركته ولا يتعرض له صيانة عن المثلة به فإن لم يكن له تركة تعين شقه فإن كانت الجوهرة له ففيه وجهان: أحدهما: يشق بطنها لأنها للوارث فهي كجوهرة الأجنبي. والثاني: لا يشق لأنه استهلكها في حياته فلم يتعلق بها حق الوارث وإن بلع مالا يسيرا لم يشق بطنه ويغرم القيمة من تركته وإن وقع في القبر ما له قيمة نبش وأخذ لأنه يمكن رده إلى صاحبه بغير ضرورة فوجب وإن دفن الميت بغير غسل أو إلى غير القبلة نبش وغسل ووجه لأن هذا مقدور على فعله فوجب إلا أن يخاف عليه الفساد فلا ينبش لأنه تعذر فسقط كما يسقط وضوء الحي لتعذره وإن دفن قبل الصلاة عليه احتمل أن يكون حكمه كذلك لأنه واجب فهو كغسله واحتمل أن يصلي على القبر ولا تهتك حرمته لأنه عذر.
سئل أحمد رضي الله عنه عن تلقين الميت في قبره فقال: ما رأيت أحدا يفعله إلا أهل الشام قال: وكان أبو مغيرة يروي فيه عن أبي بكر بن أبي مريم عن أشياخهم أنهم كانوا يفعلون وقال القاضي وأبو الخطاب: يستحب ذلك ورويا فيه حديث عن أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحد عند رأس قبره ثم ليقل: يا فلان بن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة الثانية فيستوي قاعدا ثم ليقل: يا فلان بن فلانة فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله ولكن لا تسمعونه فيقول: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما فإن منكرا ونكير يتأخر كل واحد منهما فيقول: انطلق فما يقعدنا عند هذا وقد لقن حجته ويكون عند الله حجيجه دونهما] فقال الرجل: يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه؟ قال: [فلينسبه إلى حواء] رواه الطبراني في معجمه بمعناه.
التعزية سنة لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من عزى مصابا فله مثل أجره] وهو حديث غريب وتجوز التعزية قبل الدفن وبعده لعموم الخبر ويكره الجلوس لها لأنه محدث ويقول في تعزية المسلم بالمسلم: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك ورحم ميتك وفي تعزيته بكافر: أعظم الله أجرك وأحسن عزاءك وتوقف أحمد رضي الله عنه عن تعزية أهل الذمة وهي تخرج على عيادتهم وفيها روايتان: إحداهما: يعودهم لأنه روي أن غلاما من اليهود كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له: [أسلم] فنظر إلى أبيه وهو عند رأسه فقال له أطع أبا القاسم فأسلم فقام النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول: [الحمد لله الذي أنقذه من النار] رواه البخاري. والثانية: لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا تبدءوهم بالسلام] فإن قلنا: نعزيهم فإن تعزيتهم عن مسلم: أحسن الله عزاءك وغفر لميتك وعن كافر: أخلف الله عليك ولا نقص عددك.
والبكاء غير مكروه إذا لم يكن مع ندب ولا نياحة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على سعد بن عبادة فوجده في غاشية فبكى وبكى أصحابه وقال: [ألا تسمعون أن الله لا يعذب بدمع العين ولا يحزن القلب ولكن يعذب بهذا وأشار إلى لسانه أو يرحم] متفق عليه ولا يجوز لطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بدعوى الجاهلية لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب ودعا بدعوى الجاهلية]. وعن أبي مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة والحالقة والشاقة متفق عليهما ويكره الندب والنوح ونقل حرب عن أحمد كلاما يحتمل إباحتهما واختاره الخلال وصاحبه لأن واثلة وأبا وائل كانا يستمعا النوح ويبكيان وظاهر الأخبار التحريم. قال أحمد في قوله تعالى: {ولا يعصينك في معروف} هو النوح فسماه معصية وقالت أم عطية: أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم في البيعة أن لا ننوح متفق عليه. وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى وبالصبر والصلاة ويسترجع ولا يقول إلا خيرا لقول الله تعالى: {استعينوا بالصبر والصلاة} الآيات وقالت أم سلمة: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [ما من عبد مسلم تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم آجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خير منها] قالت: فلما توفي أبو سلمة قلتها فأخلف الله لي خيرا منه رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم وقال: لما مات أبو سلمة: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون رواه مسلم.
ويستحب لأقرباء الميت وجيرانه إصلاح طعام لأهله لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاء نعي جعفر قال: [اصنعوا لآل جعفر طعاما فإنهم قد أتاهم أمر شغلهم] رواه أبو داود. فأما صنيع أهل الميت الطعام للناس فمكروه لأن فيه زيادة على مصيبتهم وشغلا لهم إلى شغلهم.
ويستحب للرجال زيارة القبور لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها إنها تذكركم الموت] رواه مسلم وإن مر بها أو زارها قال ما روى مسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإن شاء الله بكم للاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية وفي حديث آخر: [يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين] وفي حديث آخر: [اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم] وإن زاد: [اللهم اغفر لنا ولهم] كان حسنا. فأما النساء ففي كراهية زيارة القبور لهن روايتان: إحداهما: لا يكره لعموم ما رويناه ولأن عائشة رضي الله عنها زارت قبر أخيها عبد الرحمن. والثانية: يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لعن الله زوارات القبور] وهذا حديث صحيح فلما زال التحريم بالنسخ بقيت الكراهية ولأن المرأة قليلة الصبر فلا يؤمن تهيج حزنها برؤية قبور الأحبة فيحملها على فعل ما لا يحل لها فعله بخلاف الرجل.
ويستحب لمن دخل المقابر خلع نعليه لما روى بشير بن الخصاصية قال: بينما أنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ حانت منه نظرة فإذا رجل يمشي بالقبور عليه نعلان فقال: [يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك] فنظر الرجل فلما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم خلعهما فرمى بهما رواه أبو داود فإن خاف الشوك إن خلع نعليه فلا بأس بلبسهما للحاجة ولا يدخل في هذا الخفاف لأن نزعها يشق وفي التمشكات ونحوها وجهان: أحدهما: هي كالنعل لسهولة خلعها. والثاني: لا يستحب لأن خلع النعلين تعبد فيقصر عليهما.
وإن دعا إنسان لميت أو تصدق عنه أو قضى عنه دينا واجبا عليه نفعه ذلك بلا خلاف لأن الله تعالى قال: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان} وقال سعد بن عبادة للنبي صلى الله عليه وسلم أينفع أمي إذا تصدقت عنها؟ قال: [نعم] متفق عليه وإن فعل عبادة بدنية كالقراءة والصلاة والصوم وجعل ثوابها للميت نفعه أيضا لأنه إحدى العبادات فأشبهت الواجبات ولأن المسلمين يجتمعون في كل مصر ويقرءون ويهدون لموتاهم ولم ينكره منكر فكان إجماعا.
|